التيه- رحلة في متاهات الزمن والقيم والذات
المؤلف: عبده خال10.13.2025

لطالما ارتبطت كلمة التيه بالصحاري الشاسعة المترامية الأطراف، ومن المرجح أن هذا الرباط الوثيق يعود إلى قصة التيه الذي عاشه بنو إسرائيل إثر تمردهم وعصيانهم لأوامر نبي الله موسى بعدم دخول الأرض المقدسة، فكانت عقوبتهم أن ظلوا ضائعين في الصحراء القاحلة لمدة أربعين عاماً.
وثمة تباين جلي بين التيه المادي المحسوس والتيه الذاتي أو النفسي العميق، وجهودنا الحثيثة في هذه الحياة ما هي إلا ضرب من التيه المستمر، حتى إذا ما بلغ أحدنا نقطة النهاية واقترب من توديع كل شيء، وفي لحظة الإغماضة الأخيرة يصبح البصر نافذاً وحاداً، وهذه هي اللحظة الفارقة للخروج من التيه الذاتي الذي طال أمده.
وأرى أن الزمن في اندفاعه المحموم قد عاقب هذا العالم بالتيه والضياع، عالم بات حائراً متردداً بين منظومة القيم المتضاربة، وغدا لزاماً علينا أن نهدم هذه القيم الزائفة؛ لكي نصل إلى النهاية المنشودة ونحظى بالإبصار الحقيقي الذي يكشف لنا حقيقة التيه الذي كنا نعيشه، مصداقاً لقوله تعالى: «لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ».
دعونا نعود قليلاً إلى الوراء قبل أن نصل إلى نقطة الرحيل المحتومة، فغالباً ما نغفل عن سرعة انقضاء العمر، وفي خضم هذا التسارع الزمني الجامح بكل قوته، تمكنت هذه السرعة الهائلة من تبديد كل ما حمله الفرد أو الجماعة من زاد وعتاد.
إنها سرعة جنونية فائقة لم يتمكن الفرد من الإمساك بزمام نفسه، وحتى الحزام الذي يربطه ويثبته في مكانه لم يمنع عنه الشعور بالاهتزاز الدائم، وكأن الراكب ليس في حالته الطبيعية المستقرة.
فهل لي أن أزعم بأن اللحظات الزمنية المتسارعة قد حولت الأحداث ذاتها إلى خريطة تيه شاملة متكاملة؟
في هذه الأيام، ربما تلاشت مفردات الضجر والملل ولم تعد حاضرة بالإلحاح الذي كانت عليه في السابق، فالضجر لم يعد مجرد كلمة عابرة بل تحول إلى حالة مستمرة، واختلط المادي بالروحي في مزيج معقد، وهذه أيضاً صورة من صور التيه المتفشي، وهو اختلاط طاغٍ حيث تتفوق نسبة المادي على الروحي بمراحل شاسعة.
ولعلنا لا نتوقف ملياً للتأمل في هذه الحالة من التيه والضياع، وهذا أمر طبيعي إلى حد ما، فكيف لمادة سائلة في قوامها أن تدرك أين تقف تحديداً من ذلك الاهتزاز العنيف؟ كيف لها ذلك؟
الكثيرون يظهرون بمظهر الاتزان والثبات في سلوكهم الظاهري، إلا أن أعماقهم الداخلية يسيطر عليها شعور عميق باللاجدوى وانعدام المعنى.
كما أن القيم النبيلة تتساقط وتتلاشى بكثافة مطردة، حتى أن المرء ليشعر بفقدان اليقين والثقة في كل شيء من حوله، ومما يزيد من تدهور اليقين هو طغيان النزعات الاستهلاكية التي توصلك في نهاية المطاف إلى العدم واللا معنى، وعلى الرغم من أن العالم قد اكتسب طابعاً صاخباً وضجيجاً، إلا أن المتأمل الفطن يلحظ في هذا الضجيج الصاخب شكلاً من أشكال التيه والضياع.
ربما يعترض أحدكم قائلاً إن الشعور بالتيه والضياع يضغط بشكل خاص على كبار السن؛ بسبب الاجتياح الكاسح لوسائل التواصل الاجتماعي التي أغرقتهم في بحر من المعلومات المتضاربة، وخلق لديهم حالة من الحنين الجارف إلى ما مضى من أيام حياتهم الخوالي؛ ولهذا السبب يشعرون بالتيه والضياع.
وهذا القول قد يبدو متماسكاً ومنطقياً للوهلة الأولى، ولكنه سرعان ما ينهار أمام الأعمار الشابة واليافعة التي تعبر بدورها عن تيهها بفقدان اليقين الذي يتولد من تراكم الأسباب المؤدية إلى حركية خارجية صاخبة غير متوافقة مع دواخلهم المضطربة.. وفي محاولتي الدؤوبة للوصول إلى الحقيقة، فقد ترسخت لدي قناعة راسخة بأن الحياة ذاتها هي التي تبحث عن التيه والضياع؛ لكي تجرفنا فجأة من على ظهرها وتلقي بنا في غياهب المجهول.. ألسنا نحن مجرد حطام لألعاب وملهيات قمنا بتبادلها مع ذلك التيه، قبل أن نصل إلى ذلك اليوم الموعود الذي يكون فيه البصر حديداً نافذاً قادراً على رؤية الحقيقة جلية؟
وثمة تباين جلي بين التيه المادي المحسوس والتيه الذاتي أو النفسي العميق، وجهودنا الحثيثة في هذه الحياة ما هي إلا ضرب من التيه المستمر، حتى إذا ما بلغ أحدنا نقطة النهاية واقترب من توديع كل شيء، وفي لحظة الإغماضة الأخيرة يصبح البصر نافذاً وحاداً، وهذه هي اللحظة الفارقة للخروج من التيه الذاتي الذي طال أمده.
وأرى أن الزمن في اندفاعه المحموم قد عاقب هذا العالم بالتيه والضياع، عالم بات حائراً متردداً بين منظومة القيم المتضاربة، وغدا لزاماً علينا أن نهدم هذه القيم الزائفة؛ لكي نصل إلى النهاية المنشودة ونحظى بالإبصار الحقيقي الذي يكشف لنا حقيقة التيه الذي كنا نعيشه، مصداقاً لقوله تعالى: «لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ».
دعونا نعود قليلاً إلى الوراء قبل أن نصل إلى نقطة الرحيل المحتومة، فغالباً ما نغفل عن سرعة انقضاء العمر، وفي خضم هذا التسارع الزمني الجامح بكل قوته، تمكنت هذه السرعة الهائلة من تبديد كل ما حمله الفرد أو الجماعة من زاد وعتاد.
إنها سرعة جنونية فائقة لم يتمكن الفرد من الإمساك بزمام نفسه، وحتى الحزام الذي يربطه ويثبته في مكانه لم يمنع عنه الشعور بالاهتزاز الدائم، وكأن الراكب ليس في حالته الطبيعية المستقرة.
فهل لي أن أزعم بأن اللحظات الزمنية المتسارعة قد حولت الأحداث ذاتها إلى خريطة تيه شاملة متكاملة؟
في هذه الأيام، ربما تلاشت مفردات الضجر والملل ولم تعد حاضرة بالإلحاح الذي كانت عليه في السابق، فالضجر لم يعد مجرد كلمة عابرة بل تحول إلى حالة مستمرة، واختلط المادي بالروحي في مزيج معقد، وهذه أيضاً صورة من صور التيه المتفشي، وهو اختلاط طاغٍ حيث تتفوق نسبة المادي على الروحي بمراحل شاسعة.
ولعلنا لا نتوقف ملياً للتأمل في هذه الحالة من التيه والضياع، وهذا أمر طبيعي إلى حد ما، فكيف لمادة سائلة في قوامها أن تدرك أين تقف تحديداً من ذلك الاهتزاز العنيف؟ كيف لها ذلك؟
الكثيرون يظهرون بمظهر الاتزان والثبات في سلوكهم الظاهري، إلا أن أعماقهم الداخلية يسيطر عليها شعور عميق باللاجدوى وانعدام المعنى.
كما أن القيم النبيلة تتساقط وتتلاشى بكثافة مطردة، حتى أن المرء ليشعر بفقدان اليقين والثقة في كل شيء من حوله، ومما يزيد من تدهور اليقين هو طغيان النزعات الاستهلاكية التي توصلك في نهاية المطاف إلى العدم واللا معنى، وعلى الرغم من أن العالم قد اكتسب طابعاً صاخباً وضجيجاً، إلا أن المتأمل الفطن يلحظ في هذا الضجيج الصاخب شكلاً من أشكال التيه والضياع.
ربما يعترض أحدكم قائلاً إن الشعور بالتيه والضياع يضغط بشكل خاص على كبار السن؛ بسبب الاجتياح الكاسح لوسائل التواصل الاجتماعي التي أغرقتهم في بحر من المعلومات المتضاربة، وخلق لديهم حالة من الحنين الجارف إلى ما مضى من أيام حياتهم الخوالي؛ ولهذا السبب يشعرون بالتيه والضياع.
وهذا القول قد يبدو متماسكاً ومنطقياً للوهلة الأولى، ولكنه سرعان ما ينهار أمام الأعمار الشابة واليافعة التي تعبر بدورها عن تيهها بفقدان اليقين الذي يتولد من تراكم الأسباب المؤدية إلى حركية خارجية صاخبة غير متوافقة مع دواخلهم المضطربة.. وفي محاولتي الدؤوبة للوصول إلى الحقيقة، فقد ترسخت لدي قناعة راسخة بأن الحياة ذاتها هي التي تبحث عن التيه والضياع؛ لكي تجرفنا فجأة من على ظهرها وتلقي بنا في غياهب المجهول.. ألسنا نحن مجرد حطام لألعاب وملهيات قمنا بتبادلها مع ذلك التيه، قبل أن نصل إلى ذلك اليوم الموعود الذي يكون فيه البصر حديداً نافذاً قادراً على رؤية الحقيقة جلية؟